أصول التأويلية
إن نصّ غوسدورف ليس فحسب واحداً من النصوص الكثيرة التي تحكي فترات "عمر العقل التأويلي"، على حدّ عبارة الهرمينوطيقي الكبير جان غرايش؛ بل هو إستعادةٌ موجَّهةٌ للأصول في نوع من القصّ الذّاتي المفضي إلى إضطلاع العقل بنفسه وإعترافه بإيّائيته التي له؛ أنه، في تبدّلاته الكثيرة، وفي تغيرات السؤال المطروح عليه، يظلّ هو إيّاه، هي إستعادةٌ موجًّهةٌ، لأنّ غوسدورف يدافع عن أطروحةٍ في تكوُّن العقل الهرمينوطيقي، ويستبعد، في مقابل ذلك، أطروحة قامت عليها أغلب سرديّات العقل الهرمينوطيقي إلى اليوم. فالأطروحة الرّائجةُ، اليوم، في غير نصّ من نصوص إعادة إستشكال تاريخ التأويلية، تسارع إلى طرح "هاجس الكشف عن المعنى" هاجساً مؤسّساً للتأويلية، وتبحث عن هذا الكشف في ثنايا العلاقة بين "الوحي" بما هو رسالة، وبين التلقّي بما هو "فهم" تحجبه طبقات المجاز وبلاغات الإستعارة التي قد لا تأبه بنصيّة النص ما دامت رمزيتُه، لا ماديتُه، هي التي تعطي معناه. إنّ التّأويلية، وفق هذا التّصور، إنما تدين بمأتاها لتقلّبات العلاقة بين المعنى الظّاهر والمعنى الباطن، ضمن أعمال التفسير والشرح، ثمة في عنوان كتاب غوسدورف، وفي رؤيته الأساسية، مراهنةٌ تكاد لا نفطن لها: إنّ الأمر لا يتعلّق بتاريخ التّأويلية، وإنما بتعيين أصولها التي تلتقي - لا محالة - مع التاريخ، ولكنّها لا تلتقي معه إلا لتعيّن المأتى، والمأتى عند غوسدورف هو أولاً تكوّن النص، قبل مفهومه، ممارسة تمتد إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وتتعضّد بعد ذلك مع تأسيس مكتبة الإسكندرية معلَماً يوحِّد، بعد نحو ستة قرون، جهود "المعالجة النقدية والمادية" للنصوص م من خلال توفير شرطها الأول: جمعها في فضاء واحد... كيف يمكننا أن نتحدّث بالعربية عن تاريخ هرمينوطيقي من دون أن يبدو حديثنا كما لو كان تصادياً لألفاظ وصور صوتية لا علاقة لها بالعربية؟ كيف يمكن أن نمهّد للتفكير التأويلي ضمن حضارة توقّفت بعيداً عنه، دونه، ولم تواصل مسيرتها الطبيعية، أعنى التاريخية، نحوه؟ كيف يمكنها أن تُستأنف لا من نقطة الإنقطاع - ولكن دون عضّ الطرف عنها - أن تُستأنف من نقطة المواصلة لتراثٍ باتَ اليوم إنسانياً، كلياً، كونياً؟... تلك هي الإشكاليّة التي واجهها في كلّ صفحة؛ بل في كلّ فقرة، فتحي إنقزّو، أن مضطراً إلى أن ينظر إلى الجهتين معاً... في مراوحة حيناً ومزامنة حيناً آخر... وحوَلاً في كلّ حين...
المؤلف
جورج غوسدورفالناشر
دار مؤمنون بلا حدود للنشرالرمز الدولي
9786148030802رقم الطبعة
1سنة النشر
2018نوع الغلاف
غلاف





